الـ.ـتـ.ـعـ.ـصـ.ـب السياسي مزّق اليمن شماله وجنوبه

مقال رأي/الدستور الإخبارية/خاص:

المحامي : مدين محسن

 

من المعلوم تاريخيًا أن الـ.ـتـ.ـشـ.ـد.ـد في الانتماء، سواء في السياسة أو في أي أحزاب أو مكونات خارج إطار الدولة العميقة المعترف بها دوليًا، يُعدّ انتماءً غير شرعي، ولا يحمل أي مشروعية، حتى وإن كان له حلفاء؛ فغالبًا لا يحملون مشاريع وطنية حقيقية. ولهذا فإن نتائج هذه الانتماءات لا تكون سوى الـ.ـدمـ.ـار والـ.ـهـ.ـز.ـيـ.ـمـ.ـة والـ.ـسـ.ـقـ.ـوط.

ووفقًا للدراسات التاريخية المعمقة، فإن كثيرًا من الـ.ـصـ.ـر.ـاعـ.ـات عبر التاريخ كان سببها الأول التنافس على السلطة، وهذا التنافس اتخذ أشكالًا غير قانونية وغير شرعية، ما أدى إلى دمار البلدان، والتضحية بالكثير من أبناء الشعوب الذين لا يفقهون في السياسة، ولا يدركون ما يدور حولهم. كما هو حاصل اليوم في وطننا الـ.ـجـ.ـر.ـيـ.ـح، الذي مزقته أيادي أعداء الإسلام، والأفكار الـ.ـر.ـجـ.ـعـ.ـيـ.ـة التي لا تؤمن بالآخر، وتحمل في طياتها الـ.ـعـ.ـد.ـاء والـ.ـكـ.ـر.ـاهـ.ـيـ.ـة.

وقد أثبتت الدراسات العلمية أن أسباب هذه الأزمات عديدة ولا حصر لها، وتشمل عوامل نفسية، واجتماعية، وسياسية، وأخلاقية. لكن السبب الأهم هو “الـ.ـأمـ.ـيـ.ـة والافتقار إلى التعليم”، مما يؤدي إلى انعدام التسامح مع الآخر. كما أن التنشئة الاجتماعية قد تغرس قيم الـ.ـتـ.ـعـ.ـصـ.ـب والـ.ـتـ.ـحـ.ـيـ.ـز، إلى جانب دور الإعلام الذي يفتقر إلى المصداقية، والنزاهة، والضمير، والوازع الديني والإنساني، وقد انتهك شرف الرسالة الإعلامية، وأصبح إعلامًا مـ.ـأ.ـجـ.ـو.ـر.ـا، كما هو حاصل في وطننا، حيث يعيش الناس في أيديولوجيات الـ.ـعـ.ـد.ـاء والـ.ـار.ـتـ.ـز.ـا.ـق.

إنها ثقافة خطيرة، قد تجعل أجيالًا تتوارث الـ.ـحـ.ـقـ.ـد والـ.ـكـ.ـر.ـاهـ.ـيـ.ـة والـ.ـتـ.ـعـ.ـصـ.ـب بكل أشكاله، حتى في الدين الإسلامي. لكنّ أخطر أنواع التعصب هو “الـ.ـتـ.ـشـ.ـد.ـد السياسي”، لأنه يُنتج الحروب الأهلية، ويُسفك في ظلّه دماء الأبرياء، وتتناثر أشلاء الأطفال، ويُروّع الآمنون، وتفقد البلاد الأمن والاستقرار، وتتحول إلى ساحة صراع يكون ضحيتها الشعب “الـ.ـغـ.ـبـ.ـي” – على حد وصف الواقع – الذي تجرد من الوعي والفكر الراسخ، وصار تابعًا لمشاريع أجهضت الوطن أرضًا وإنسانًا.

ونتساءل هنا: على مدار التاريخ، هل جنت الأحزاب والمكونات الـ.ـمـ.ـتـ.ـعـ.ـصـ.ـبـ.ـة والـ.ـمـ.ـتـ.ـشـ.ـد.ـد.ـة، التي تمارس الـ.ـقـ.ـمـ.ـع وتكميم الأفواه وترفض حرية الرأي والتعبير، أي نصر حقيقي؟ بل كانت دومًا تجني الفشل الـ.ـذ.ـر.ـيـ.ـع، والسقوط المـ.ـد.ـوي، ناهيك عن الحروب الأهلية والـ.ـصـ.ـر.ـاعـ.ـات الداخلية.

أما الشعوب الـ.ـمـ.ـتـ.ـعـ.ـصـ.ـبـ.ـة سياسيًا، فهي أشد فشلًا، لأن الصراع السياسي بين الكبار، مهما طال، سينتهي غالبًا بتسويات واتفاقات، ويعقدون صفحات جديدة كما لو أنهم “تـ.ـجـ.ـا.ـر” بهذا الشعب، الذي أصبح أضحوكة لتلك القيادات ورؤساء المكونات، الذين استخدموه كأداة لـ.ـقـ.ـمـ.ـع الحريات، أو قـ.ـمـ.ـع المعارضين، أو لتأييدهم وكسب الشعبية الـ.ـز.ـائـ.ـفـ.ـة.

ويُظهر لنا الواقع أن الـ.ـكـ.ـر.ـاهـ.ـيـ.ـة والـ.ـحـ.ـقـ.ـد الـ.ـمـ.ـقـ.ـيـ.ـت بين أبناء الشعب لا تثمر حبًا ولا نصرًا ولا وحدة، بل تؤدي إلى استمرار الـ.ـصـ.ـر.ـاعـ.ـات على مدى التاريخ، كما هو حاصل في مجتمعاتنا اليمنية شمالًا وجنوبًا. لقد بلغ الـ.ـحـ.ـقـ.ـد حد الانتقام والـ.ـتـ.ـصـ.ـفـ.ـيـ.ـات الجسدية، وزُجّ بكثير من الأبرياء في السجون دون عرضهم على القضاء، أو إيجاد أي حلول، وكل ذلك نتيجة الـ.ـتـ.ـعـ.ـصـ.ـب السياسي، والـ.ـعـ.ـنـ.ـصـ.ـر.ـيـ.ـة، والـ.ـمـ.ـنـ.ـا.ـطـ.ـقـ.ـيـ.ـة التي ترسّخت في عقول بعض الـ.ـجـ.ـهـ.ـا.ـل الذين نشأوا على الـ.ـكـ.ـر.ـاهـ.ـيـ.ـة، وبنفوس عـ.ـد.ـائـ.ـيـ.ـة تحمل نـ.ـز.ـعـ.ـا.ـت إـ.ـجـ.ـر.ـا.ـمـ.ـيـ.ـة.

لقد خُلقت البشرية على الفطرة، لكنها اكتسبت ثقافة خطيرة أدت إلى حروب و صراعات لا حصر لها، رغم أن الشريعة الإسلامية السمحاء بُنيت على الرحمة، والمودة، والمحبة، والتراحم بين الناس، ونهت عن الـ.ـفـ.ـحـ.ـشـ.ـا.ـء، والـ.ـمـ.ـنـ.ـكـ.ـر، والـ.ـظـ.ـلـ.ـم، والـ.ـقـ.ـسـ.ـو.ـة. كما حثّ الإسلام أتباعه على الرحمة، كعلاج لظاهرة الـ.ـفـ.ـتـ.ـن والـ.ـإ.ـر.ـهـ.ـا.ـب التي صُنعت بأيدٍ عـ.ـد.ـائـ.ـيـ.ـة، ومُنِهَجَت على سفك الدماء والـ.ـتـ.ـفـ.ـر.ـقـ.ـة.

لكنّ الواقع أثبت أن كثيرًا من هؤلاء لا يحملون من الإسلام إلا اسمه، والأجدر بهم أن يتحرروا من الـ.ـعـ.ـبـ.ـو.ـد.ـيـ.ـة لـ.ـلـ.ـتـ.ـقـ.ـد.ـيـ.ـس والـ.ـو.ـلـ.ـا.ـء الأعمى، الذي لا يخدم الإسلام ولا الشريعة بأي شكل.

وللحديث بقية…

وتعظيم سلام لكل من عرف الحق ونبذ الباطل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى