من الشراكة إلى الإقصاء: 1994/7/7م وتحولات العلاقة بين الجنوب والشمال

مقال رأي/الدستور الإخبارية/خاص:

الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب

 

عندما دخل الشمال والجنوب في وحدة اندماجية في 22 مايو 1990م، بدا وكأن بابًا جديدًا يُفتح في تاريخ اليمن نحو دولة مدنية، يسودها النظام والقانون، تقوم على الشراكة لا الإقصاء، وعلى الديمقراطية لا الاستحواذ.

لكن ما لبثت تلك الأحلام أن اصطدمت بجدار الواقع، لتنهار التجربة سريعًا وتتحول إلى مشروع هيمنة شمالية مطلقة، توجت ذروته في يوم 7 يوليو 1994م، باجتياح عسكري كامل للجنوب، وإنهاء فعلي لشراكة لم تكتمل.

الوحدة اليمنية: النية الطيبة تقابلها الأطماع:

اتفق الطرفان، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب، والجمهورية العربية اليمنية في الشمال، على تأسيس وحدة اندماجية… وكانت تلك الخطوة – في ظاهرها – حلمًا قوميًا وقوميًا نبيلاً.

لكن منذ اللحظات الأولى، برز التباين في النوايا، حيث سعى نظام صنعاء، بقيادة صالح، إلى تحويل الوحدة من شراكة بين دولتين إلى ضمٍّ وهيمنة مطلقة.

سُلب الجنوبيون مناصبهم.:

– تمت تصفية الضباط الجنوبيين من المؤسسات السيادية.

– أُقصي آلاف الموظفين الجنوبيين من الخدمة المدنية والعسكرية.

1993م: الانتخابات تكشف الخلل:

1- في أبريل 1993م، أُجريت أول انتخابات برلمانية بعد الوحدة، وأسفرت النتائج عن واقع سياسي معقّد.

2- تحالف “المؤتمر الشعبي العام” مع “حزب الإصلاح” الإخواني.

3- بدأ العمل المنظم لإضعاف نفوذ الحزب الاشتراكي (الذي مثّل الجنوب) داخل السلطة.

4- تفاقمت الأزمة مع اغتيالات طالت قيادات جنوبية، وتوترات أمنية أنهت ما تبقى من الثقة السياسية.

حرب 1994: السلاح يحسم “الوحدة”:

في مايو 1994م، اندلعت الحرب، واستخدم نظام صنعاء كل أدوات القوة:

– الحرس الجمهوري.

– قبائل الشمال.

– ميليشيات حزب الإصلاح.

– وعناصر التجمع اليمني للإصلاح، (باعترافات لاحقة)، لاجتياح الجنوب… وفي 7 يوليو 1994م، سقطت العاصمة عدن تحت سيطرة قوات الشمال، وأُعلن “النصر” العسكري، لكن الجنوبيين لم يحتفلوا، بل دخلوا مرحلة مريرة من الاحتلال المقنّع والتهميش الشامل.

بعد 7 يوليو: من الشراكة إلى الإقصاء:

شكل هذا اليوم بداية انهيار فعلي للوحدة الوطنية، وأصبح الجنوب مجرد حقل مفتوح للنهب والفساد والاستغلال:

تم نهب أراضي الدولة وممتلكات المواطنين في عدن ولحج وأبين.

أُقصي عشرات الآلاف من موظفي الجنوب مدنيًا وعسكريًا.

تحوّلت مؤسسات الدولة إلى أدوات تابعة لصنعاء.

واعتُمدت سياسة “الغنيمة” في إدارة الجنوب، لا الشراكة.

الجنوب ينهض من تحت الركام:

رغم سنوات القهر، بدأ الجنوب في استعادة وعيه، وكانت أولى شراراته في الحراك الجنوبي السلمي عام 2007م، ثم في المقاومة الجنوبية المسلحة 2015م، التي أخرجت قوات الشمال من العاصمة عدن، بالتوازي مع صعود المشروع الجنوبي لاستعادة الدولة.

خاتمة: 7 يوليو يوم سقوط الشراكة:

لم يكن 1994/7/7م يومًا وطنيًا كما حاول الإعلام تصويره، بل كان يومًا أُعلن فيه رسميًا وفاة مشروع الوحدة العادلة، وبداية مرحلة طويلة من الاستعمار الداخلي الذي ما زال الجنوب يدفع ثمنه حتى اليوم.

إن الحقيقة الجغرافية والتاريخية تقول: لا وحدة بالقوة، ولا شراكة بالإقصاء، ولا مستقبل لليمن دون عدالة تعترف للجنوب بحقه في تقرير مصيره.

نائب رئيس تحرير صحيفة عدن الأمل، ومحرر عدة مواقع أخبارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى