كيف تلتقي النظرية النقدية بالتكنولوجيا اللاإنسانية في نموذج الكيان الصهيوني؟
الاحتلال/الدستور الاخبارية/متابعات خاصة

لقد تأثّر مفكّرو النظرية النقدية اليهود، كما ناقشنا في مقالات سابقة، بفلسفات جدلية وعقلانية ومادية تاريخية، مستوحاة من فلاسفة مثل هيغل، لوكاتش، غرامشي، وهايدغر، حاول هؤلاء المفكرون دمج هذه الفلسفات في نقد تحليلي للواقع الغربي، مبرزين تأثير التكنولوجيا في هيمنة المجتمعات الصناعية على حياة الأفراد والاقتصاد والثقافة والفن، وبالتالي إنتاج مجتمعات استهلاكية مغتربة، تُصنِّع الرأي العام وتحتكر حاجات البشر.
ورغم أن المفكرين النقديين اعتمدوا على منهج ماركسي، إلا أنهم لم يتبنوا بالكامل رؤية ماركس الأصلية، بل ركزوا على نقد اغتراب الأفراد في المجتمعات الصناعية وتسليع الطبقة العاملة، وفقًا لهم، يُعتبر المجتمع نتاجًا لوسائل الإنتاج الصناعية، التي تفرض هيمنة التكنولوجيا على الناس وتُبعدهم عن هويتهم الإنسانية.
دعا هؤلاء المفكرون إلى تغيير ثوري في المجتمع من خلال العقل، وليس بالثورة الماركسية التقليدية، هذا التغيير ينبغي أن يركز على تمييز المعرفة العلمية التي تخدم الناس، ودراسة مشاكل الواقع لتوظيف التكنولوجيا في خدمة الإنسانية.
من خلال هذا الفهم، يصبح نقد النظرية النقدية للتكنولوجيا أكثر وضوحًا؛ إذ يعتقد المفكرون أنه يجب أن يكون لكل منتج تقني فائدة حقيقية للبشرية، إذا كانت التكنولوجيا لا تخدم الإنسان، فهي بلا فائدة، بل أضرت أكثر مما أفادت.
هذه الرؤية النقدية نشأت في عصر الأنوار، حيث سادت العقلانية التي كانت تهدف إلى تقييم الفائدة الحقيقية من إنتاج الإنسان، مع التركيز على جدوى الأفعال وليس مجرد مظاهر الأشياء، في هذا السياق تُوجه النظرية النقدية أسئلتها إلى فائدة الفائدة التكنولوجية في عصر الصناعة الغربية، وتنتقد إدعاءات هذه الفائدة التي لا تلامس جوهر الإنسان وقيمه.
من خلال تحليل مفكري مدرسة فرانكفورت، نجد أنهم أرسوا الأسس لنقد التكنولوجيا والصناعة في سياق ما بعد الحداثة والعولمة، متسائلين عن فائدة التكنولوجيا الحديثة في ضوء تأثيرها على قيم الإنسان، وقد أسهمت أفكارهم في تغيير المجتمع الأمريكي بعد هجرتهم من ألمانيا بسبب النظام النازي، حيث دعموا الحركات التحررية.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تمثل ممارسات الكيان الصهيوني اليوم ما ناضل من أجله هؤلاء المفكرون؟ هل يُجسدون الحقائق الإنسانية التي دعا إليها مفكروهم؟ في الواقع، نجد أن هذه الممارسات اللاإنسانية تتناقض مع أفكارهم النقدية، كما يظهر في التصرفات الاستبدادية لقادة مثل نتنياهو، الذي يتبع تقنيات قمعية متطورة وتكنولوجيا حرب متقدمة، في انتهاك لحقوق الإنسان.
هذه الممارسات تتجسد في تكنولوجيا الحرب، والانتصار على الضعفاء، والجنون الاستبدادي، كما يتضح من أعمال الإبادة في غزة ولبنان باستخدام التكنولوجيا العسكرية الحديثة، هذه الممارسات تعكس تمامًا صفات الشخصيات الاستبدادية التي وصفها أدورنو في “الشخصية الاستبدادية”، مثل الولاء الأعمى، والانقياد التام للسلطة، والعنف المفرط تجاه المخالفين.
أخيرًا، يتفاخر نتنياهو بجنون القوة، رافضًا أي نقاش حول شرعية الاحتلال، مما يعكس توجّهًا معاديًا لأي دعوة للسلام أو التسوية العادلة.