واشنطن تراهن مجدداً على سوريا
أخبار وتقارير/وكالات/الدستور الاخبارية

رأى تقرير لموقع “جيوبولتيكال مونيتور” البحثي الكندي أن صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة في ديسمبر (كانون الأول) 2025 لا يمثل مجرد تحديث دوري للسياسة الخارجية الأمريكية، بل يعكس تحولاً نوعياً في مقاربة واشنطن للعالم، ولا سيما للشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، تبرز سوريا بوصفها إحدى أكثر الساحات دلالة على هذا التحول، حيث تنتقل من خانة العزلة والاحتواء إلى خانة الاستثمار السياسي والإستراتيجي.
الواقعية المرنة
وأوضح التقرير الذي أعده الباحثان إسلام خان غفاروف، وجمال الدين روزيمورودوف، من مركز الإصلاحات التقدمية في طشقند، أوزبكستان، أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة تؤسس لمفهوم الواقعية المرنة، الذي يقوم على تغليب المصالح والاستقرار على الأجندات الأيديولوجية، والتخلي عن فرض نماذج سياسية أو اجتماعية جاهزة على الدول الأخرى.
وأضاف الباحثان أن الوثيقة تعلن صراحة استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع أنظمة سياسية مختلفة كما هي، من دون اشتراط التحول الديمقراطي أو تبني قيم مغايرة لتقاليدها التاريخية.
وتابع التقرير أن هذا التحول يشكّل، عملياً، قطيعة مع المقاربة الليبرالية – التدخلية الجديدة التي سادت منذ نهاية الحرب الباردة، والتي اتخذت من نشر الديمقراطية مبرراً للتدخل العسكري وإعادة هندسة الأنظمة.
دلالات التحول
أشار معدّا التقدير إلى أن الاستراتيجية الجديدة تحمل رسالة مباشرة لدول الشرق الأوسط، مفادها أن واشنطن لم تعد تسعى إلى تغيير الأنظمة أو إعادة تشكيل المجتمعات، بل إلى بناء شراكات وظيفية في مجالات الأمن والطاقة والتجارة.
وأوضح التقرير أن هذا التوجه يهدف إلى خفض كلفة الانخراط الأمريكي في المنطقة، وتقليص دوافع العداء الشعبي للولايات المتحدة، التي غذّتها عقود من التدخلات العسكرية والخطاب القيمي.
سوريا في صلب المقاربة
لفت التقرير النظر إلى أن سوريا تحتل موقعاً لافتاً في الاستراتيجية الجديدة، إذ تنتقل اللغة الأمريكية من توصيف دمشق دولة منبوذة إلى اعتبارها مشكلة قابلة للاحتواء وفرصة محتملة للاستقرار الإقليمي.
وأوضح معدّا التقدير أن الوثيقة تشير صراحة إلى إمكانية إعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي بدعم أمريكي وعربي وإسرائيلي وتركي، في تحول غير مسبوق مقارنة بخطاب العقد المنصرم.
التحول الداخلي السوري عامل حاسم
تابع معدّا التقدير أن هذا الانعطاف الأمريكي لا يمكن فصله عن التغير الجوهري الذي شهدته سوريا عام 2024، مع سقوط نظام بشار الأسد وصعود سلطة جديدة بقيادة أحمد الشرع.
وأضاف التقرير أن الاعتراف الأمريكي السريع بالحكومة الجديدة، ثم لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقيادة السورية الجديدة في البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، شكّلا مؤشرين واضحين على نهاية مرحلة العزلة وبداية مسار تطبيع سياسي.
العامل الإيراني
أوضح التقدير أن الدافع المركزي وراء الرهان الأمريكي الجديد على سوريا يتمثل في إعادة موازنة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. وأشار معدّا التقدير إلى أطروحات عدد من منظّري العلاقات الدولية، ومنهم جون ميرشايمر وستيفن والت، الذين اعتبروا أن إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 أخلّ بالتوازن الإقليمي لمصلحة طهران، وفتح المجال أمام تمددها في العراق وبلاد الشام ولبنان وفلسطين.
وأضاف التقرير أن الاعتماد الأمريكي شبه الحصري على إسرائيل في مواجهة إيران أسهم، بصورة غير مقصودة، في تعزيز السردية الإيرانية بوصفها مدافعاً عن قضايا المسلمين، ولا سيما القضية الفلسطينية، ما مكّن طهران من توسيع نفوذها الرمزي والسياسي.
سوريا رافعة توازن جديدة
ورأى التقرير أن واشنطن باتت مقتنعة بأن كبح النفوذ الإيراني يتطلب شريكاً عربياً – إقليمياً يمتلك شرعية جغرافية وسياسية، وليس فقط تفوقاً عسكرياً. وفي هذا السياق، تُطرح سوريا الجديدة بوصفها مرشحاً للعب هذا الدور.
وأوضح التقرير أن رفع جزء من العقوبات الأمريكية، ولا سيما تعليق العمل بقانون قيصر في يونيو (حزيران) 2025، يعكس استعداداً أمريكياً للاستثمار في إعادة بناء الدولة السورية سياسياً واقتصادياً.
وأضاف التقرير أن الرهان الأمريكي يقوم على أن تعافي سوريا اقتصادياً وتعزيز قدراتها العسكرية قد يحولها، على المدى المتوسط، إلى قوة إقليمية موازنة لإيران، على غرار الدور الذي كان يلعبه العراق قبل 2003.
رهان محسوب أم مغامرة جديدة؟
خلص التقرير إلى أن السياسة الأمريكية الجديدة تجاه سوريا تمثل محاولة لتصحيح اختلالات استراتيجية نتجت عن تدخلات سابقة، لكنها في الوقت ذاته تنطوي على مخاطر. فنجاح هذا الرهان مشروط بقدرة سوريا الجديدة على تحقيق استقرار داخلي، وبمدى استعداد القوى الإقليمية للتعامل معها بوصفها شريكاً لا ساحة صراع.
وأكد التقرير أن واشنطن، وهي تراهن مجدداً على سوريا، تحاول الانتقال من إدارة الأزمات إلى هندسة التوازنات، غير أن تاريخ الشرق الأوسط يشير إلى أن مثل هذه الرهانات تظل رهناً بتفاعلات معقدة قد تتجاوز حسابات الاستراتيجيات المكتوبة.







