الدفعة الثانية والخمسون حربية اسمًا يُغيّر الموازين وعهدًا يُكتب لا يُمحى
كتابات وآراء/الدستور الإخبارية/خاص:

بقـ🖋ـلم/سياف مثنى النميري
لم أكن أدرك، يوم وطِأت قدمي بوابة الكلية الحربية عدن في عام “2023” أنني أدخل تاريخًا لا يشبه أي تاريخ، وأنني جزءٌ من دفعة ليست كبقية الدفعات، كنت أظن أننا طلاب فحسب، نأتي لننهل العلم العسكري ونتدرّب لنصبح ضباطًا في المستقبل لكن الحقيقة كانت أبعد وأعمق كنا عودة الروح إلى المكان الذي ظلّت أبوابه مغلقة منذ تسعينات الزمان.
في صباحنا الأول، حين اصطففنا لأول مرة، شعرت بأن الأرض تهتزّ تحت وقع أقدامنا، لا من خوفٍ أو تعب بل من ذلك الإحساس الذي يولد حين يدرك المرء أنه جزءٌ من بداية جديدة، كأن الكلية كلّها تنظر إلينا وتقول ها قد عدتُ بكم، وها أنتم تعيدونني.
لم تكن سنواتنا الثلاث مجرد تدريب، كانت مدرسة في الصبر، ومعملًا لصناعة الرجال، عرفنا فيها طعم الانضباط، ووجع السقوط ولذة النهوض، تعلّمنا أن الجندي لا يُقاس بصوته العالي، بل بثبات قلبه، وأن الضابط الحقيقي لا تصنعه الرتبة بقدر ما تصنعه التجربة.
وفي كل يوم كنت أشعر بأننا لا نتغيّر وحدنا، بل الكلية تتغيّر معنا أيضًا، الميادين استعادت صخبها، والساحات عادت تتنفس، والجدران امتلأت بأصداء خطواتنا، كنا الدفعة التي أعادت الحياة شاء من شاء وأبى من أبى.
واليوم، ونحن نقف على أعتاب التخرج، أدرك أننا لم نكن مجرد طلاب، كنا اسمًا يُغيّر الموازين كنا البداية التي انتظرها المكان طويلًا، كنا العهد الذي صُنع بالعرق، لا بالحبر.
أشعر وأنا أودّع رحاب الكلية بأن جزءًا مني سيبقى هنا، مع كل خطوة مشيتُها، وكل أمرٍ نفّذته، وكل ليلةٍ بتُّ فيها أفكر هل سنكون على قدر المهمة؟
والجواب الذي أسمعه في داخلي اليوم هو نعم، نعم لأننا الدفعة التي بدأت حين توقف الجميع، نعم لأننا الدفعة التي أعادت فتح بابٍ أغلق لعقود، نعم لأننا الدفعة الثانية والخمسون حربية الدفعة التي لن يُمحى أثرها.
ومع مرور الأيام، ومع كل تدريبٍ شاق ومعركة صبرٍ نخوضها، كنا نكتشف أننا لا نُصنع فقط كضباط، بل كرمز عودة، ورمز بعث، ورمز أمل.
نعم، الأمل تلك الكلمة التي لم تكن مجرد وصف، بل لقبًا منحنا إياه وزير الدفاع نفسه حين سمّانا “دفعة الأمل”
ولم تكن تسمية عابرة، بل شهادة تُثبت أننا كنا بداية مرحلة جديدة، وأننا الدفعة التي أعادت للمؤسسة العسكرية نبضها، وللكلية كرامتها وحضورها.
سنغادر قريبًا، لكن اسمنا سيبقى هنا، يتردد في أروقة الكلية، وفي ذاكرة كل من عرف قصتنا.







