النار تورث رماد

كتابات/الدستور الإخبارية/خاص:

النار تورث رماد

🖋بقلم/ حافظ مراد

 

في أعالي جبال ريمة، حيث الهواء مشبع برائحة البن وعبق الكبرياء، وُلد حسان الواحدي، رجل بحجم وطن.

نشأ على صهوات الخيل، وتربى على صوت البندقية، حتى صار اسمه نشيداً يتردد في المجالس، ومهاباً من الكبير والصغير.

كان قائداً لا يُكسر، فارساً لا يُشق له غبار، وحين اشتعلت الحرب الأولى في صعدة، لم ينتظر أمراً من أحد.

دخل صنعاء بخطى الواثق، ووقف أمام الرئيس صالح، قائلاً بصوت لا يعرف التردد: “دعني أذهب، سأعود إليك برأس حسين الحوثي.”

نظر إليه صالح مطولاً، رأى في عينيه بريق المعارك القديمة، فأذن له بالمضي.

توجّه حسان إلى الملاحيظ، وبدأ معركته، كان يزأر في الجبال كأنه الأسد الهصور، لا يرحم، لا يهادن، تتساقط مواقع الحوثي بين يديه واحدة تلو الأخرى كحبات المسبحه، حتى اقترب من كهف حسين الحوثي، ولم يكن بينه وبين الظفر بفريسته إلا أمتار إذ به يرقى شهيدا مجيدا.

لكن الرصاصة التي اخترقت صدره، لم تأخذ منه شيئاً… بل أعادته إلى الأرض بكرامة، شهيداً مقبلاً لا مدبراً.

جنازته كانت أسطورة.

رجال الدولة، مشايخ القبائل، الفلاحون، النساء، الأطفال… كلهم خرجوا يودّعونه.

بدت ريمه حينها باكية حزنا لفراقه، الأرض امتلأت بالمشيعين، والسماء كأنها وقفت احتراماً لرجلٍ من طينة الكبار، فما كان من الرئيس صالح آنذاك إلا إن عيَّن ابنه “حافظ” خلفاً له، فدم البطل لا يموت، هكذا اعتقدوا.

لكنهم لم يعرفوا أن في بعض الدماء، خيانةً تنمو في الظل.

مرت الأيام، وسقطت صنعاء، وظهر حافظ بوجهٍ لم يتوقعه أحد.

خرج في صفوف الحوثيين، يمدح قتلة أبيه، يزمجر في ميادينهم، ويحشد لأجلهم.

صار لسانه لسانهم، وصوته صدى لخطبهم.

نسي والده، أو تناساه.

بل كان يغضب حين يُذكر حسان بخير، بينما يترحم على حسين الحوثي، ويترضّى على رموز ميليشيا قتلت أباه بدمٍ بارد.

من قائدٍ وُلد في المجد، خرج ابنٌ يتنفس الذل.

عشر سنوات مضت، وحافظ لا يزال يصفق في مجالسهم، يحرض على القتال، يتلو شعارات لم تكن يوماً من تراب ريمة، ولا من قيم أبيه.

صار عبداً مأجوراً، لا تشبهه ملامح الأحرار.

وفي إحدى الليالي، جلس الحاج صالح في ديوانٍ من دواوين ريمة، تأمل صورة اللواء حسان المعلقة على الجدار، وقال بصوت مرتجف: “رحمك الله يا حسان… ما كان ظنك أن ابنك سيكون سيفاً في يد من طعنك.”

سكت المجلس، وعمّ الحزن الوجوه.

في الجبال التي شهدت بطولات الأب، ضاعت سيرة الابن…

وسيبقى حسان قائدا تنقش الأيام بطولاته في جبين الدهر وصم الصخور.

بينما يظل حافظ…

سطراً باهتاً في هامش الخيانة ومنحدر الخسران.

زر الذهاب إلى الأعلى