هل هدأت العاصفة؟ .. ما وراء التصريحات الأخيرة بين الجزائر وفرنسا
الجزائر/الدستور الاخبارية

طفت لغة التهدئة على العلاقات الجزائرية الفرنسية هذا الأسبوع، عقب أكثر من 6 أشهر من التصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي، تخللتها تصريحات مكثفة وقرارات غير مسبوقة استهدفت تنقل الأفراد، كما شملت محاولات لترحيل جزائريين مقيمين بفرنسا.
وصرح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في لقاء له السبت الماضي مع وسائل إعلام محلية، أن نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون هو “المرجعية” في العلاقات مع بلاده.
ووصف تبون الخلاف بين البلدين بـ”المفتعل بالكامل”، مشيرا إلى أن ما يحدث “فوضى” و”جلبة”، معتبرا أن الرئيس ماكرون هو “المرجع الوحيد ونحن نعمل سويا”.
وأحال الرئيس الجزائري ملف الأزمة القائمة بين بلاده وفرنسا على وزير الخارجية، أحمد عطاف قائلا:” فيما يخصني، فإن ملف الخلاف المفتعل بين أياد أمينة، بين يدي شخص كفء جدا يحظى بكامل ثقتي، ألا وهو وزير الشؤون الخارجية، السيد أحمد عطاف”.
وخلفت التصريحات الجديدة ارتياحا لدى الأوساط الفرنسية الرسمية، ترجمته المتحدثة باسم الحكومة، صوفي بريماس، التي أعربت، في تعليق لها على ما قاله الرئيس الجزائري، أمس الأحد، عن أملها في استئناف العلاقات “الطبيعية” مع الجزائر.
وهي المرة الأولى التي تشهد مرونة في لغة التخاطب منذ يوليو 2024 تاريخ إعلان إيمانويل ماكرون دعم بلاده لمقترح المغرب الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية.
جذور الخلاف “لا زالت قائمة”
لكن الباحث في علم الاجتماع السياسي بالجزائر، أحمد رواجعية، يرى أن هذه الإشارات “المرنة” المتبادلة بين البلدين “مرحلية ولا تعبر عن حقيقة ما يحكم العلاقات بين الجزائر وفرنسا لحد الآن”، معتبرا أن “جذور الخلاف بين البلدين لا زالت قائمة”.
وأوضح أحمد رواجعية أن التصريحات المتداولة خلال الأيام القليلة الماضية حتى وإن عكست الجنوح نحو التهدئة، فإن الملفات الأساسية التي تشكل جوهر الخلافات التاريخية بين البلدين “ستظل حجر عثرة أمام أي محاولة للتطبيع مع باريس”.
وتشكل قضايا “الذاكرة” بكافة فروعها ذات الصلة بجرائم الفترة الاستعمارية والتجارب النووية وضحاياها والألغام وتجريم الاستعمار وتنقل الأشخاص والهجرة، “أبرز جذور الخلاف الجزائري الفرنسي” وفق المتحدث الذي دعا إلى “مصارحة ومكاشفة تنهي عقودا من التوتر”.
من صنصال إلى الهجرة
وشهدت العلاقات بين البلدين تصعيدا غير مسبوق اشتد مع اعتقال السلطات الجزائرية للكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، ووجهت له تهم “الإرهاب، والمس بالوحدة الوطنية”.
وكان صنصال صرح في أكتوبر الماضي لقناة فرنسية أن أجزاء من الغرب الجزائري تعود تاريخيا للمغرب، وهاجمت الحكومة الجزائرية صنصال، بينما وصفه الرئيس عبد المجيد تبون بـ “المحتال”.
وانتقل الخلاف من قضية صنصال إلى الميدان السياسي والدبلوماسي، إذ رفضت الجزائر استقبال مهاجرين مرحلين من باريس، بينما دعا وزراء من الحكومة الفرنسية إلى مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968، التي تمنح امتيازات وأفضلية للمهاجرين الجزائريين، إلا أن لغة التهدئة سرعان ما عادت إلى واجهة الخطاب السياسي بين الحكومتين.
هدوء العاصفة
وفي تعليقه على هذه التطورات يشير المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط إلى أن العديد من المؤشرات توحي بتراجع وتيرة وحدة الخلاف بين البلدين”، مضيفا أن الجزائر “لم تمارس منذ البداية أي تصعيد”، محملا المسؤولية للجانب الفرنسي الذي مارس “استفزازات سياسية بالمنطقة”.
وبشأن أسباب التحول في الخطاب بين البلدين، يرى بن شريط أن فرنسا “تراجعت” خلال الفترة الأخيرة عن مسار التصعيد لأنها “شعرت بأنها تسلك مسارا من شأنه أن تفقد فيه الجزائر كشريك، وأن مصالحها أصبحت مهددة”.
ووفق المتحدث فإن باريس “لا تريد تكرار الهزائم التي منيت بها في أفريقيا”، بعد فقدانها نفوذها هناك، مضيفا أن فرنسا أدركت “عمق التحول الذي طرأ علي المؤسسات الرسمية في الجزائر، من حيث الحرص على حماية السيادة واتخاذ القرار بدون وصاية”، متوقعا أن “تهدأ العاصفة” بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.