تسوية كبرى .. زيارة بن سلمان لأمريكا تقلب الموازين وترسم الخطوة الأخيرة لصفقة القرن اليمنية

أخبار وتقارير/وكالات/الدستور الاخبارية

 


في حدث دبلوماسي اعتُبر الأهم منذ سبعة أعوام، وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن في زيارة رسمية تحمل ثقلًا سياسيًا غير مسبوق. الزيارة، التي حظيت باستقبال لافت في البيت الأبيض، جاءت في توقيت حساس تمرّ به المنطقة، وسط إعادة تموضع لقوى إقليمية ودولية، وتعاظم الحاجة إلى بناء ترتيبات أمنية جديدة يستند إليها الطرفان في السنوات المقبلة.

إعادة هندسة التحالف

تؤكد مصادر قريبة من دوائر صنع القرار أن الزيارة لم تكن بروتوكولية، بل حملت أجندة شديدة العمق، شملت مستقبل الشراكة الاستراتيجية، والتعاون الأمني والتقني، ومسار الاستثمارات الضخمة بين البلدين.

وتشير المعلومات إلى أن الرياض وواشنطن تعملان على إعادة صياغة التحالف التقليدي ليكون أكثر مرونة وقدرة على مجاراة التحولات المضطربة في الشرق الأوسط، خاصة بعد التغيرات الكبرى في موازين القوى، وتزايد الدور الآسيوي، وعودة التوترات في البحر الأحمر والخليج.

ويعد الملف اليمني أحد أبرز محددات هذه الشراكة، نظرًا لارتباطه بأمن الملاحة الدولية والطاقة، وهما ملفان يحظيان بأولوية لدى واشنطن والرياض بصورة متساوية.

الملف اليمني: رؤية سعودية متكاملة للحل

خلال اجتماعاته مع كبار المسؤولين الأميركيين، قدم ولي العهد تصورًا متكاملًا للحل في اليمن، قائمًا على ثلاث ركائز أساسية:

• تثبيت وقف إطلاق النار بصورة دائمة وملزمة لكافة الأطراف.

• استئناف العملية السياسية الشاملة تحت إشراف الأمم المتحدة.

•ضمانات دولية لعدم انهيار الاتفاق أو خرقه من قبل أي طرف.

ويأتي التحرك السعودي بعد أشهر من التهدئة التي رعتها عُمان بين واشنطن وجماعة الحوثي، والتي أدت إلى انخفاض ملحوظ في الهجمات على السفن التجارية بالبحر الأحمر.

وتنظر الرياض إلى هذه التهدئة باعتبارها خطوة مهمة، لكنها بحاجة إلى “تحصين سياسي” وغطاء دولي حتى تتحول إلى مسار دائم.

مؤشرات نهاية الحرب .. محادثات مباشرة مع الحوثيين

للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل نحو عقد، تستضيف الرياض وفدًا حوثيًا يجري مباحثات مباشرة مع مسؤولين سعوديين.

وتعتبر هذه الخطوة، بحسب مراقبين، إشارة واضحة إلى رغبة سعودية في إنهاء الحرب عبر حل طويل الأمد، وليس عبر ترتيبات مؤقتة.

دور واشنطن.. دعم أو ضغط

يرى خبراء أن تعزيز الشراكة الأمنية بين الرياض وواشنطن يمنح المملكة قوة تفاوضية أعلى في مواجهة التعقيدات اليمنية.

فالولايات المتحدة قادرة على لعب دورين متوازيين:
دعم خارطة الطريق السعودية وإقناع المجتمع الدولي بها.

الضغط على الحوثيين، سياسيًا أو عبر أدوات دبلوماسية، لدفعهم نحو التزام أكبر باتفاقات السلام.

كما أن واشنطن تنظر بجدية إلى أمن البحر الأحمر، وهو ما يجعلها شريكًا محوريًا في أي ترتيبات تخص اليمن، سواء على مستوى الموانئ أو ممرات التجارة العالمية.

التحديات التي ما تزال قائمة

على الرغم من المؤشرات الإيجابية، لا تزال بعض العقد تعيق الوصول إلى تسوية نهائية، أبرزها:

1. تنوّع القوى المحلية اليمنية

المشهد اليمني موزع بين قوى متعددة: الحوثيون، الحكومة المعترف بها دوليًا، المجلس الانتقالي الجنوبي، القوى القبلية، إلى جانب جماعات مسلحة أخرى.

ويصعب دمج كل هذه الأطراف في اتفاق واحد دون آليات واضحة لتقاسم السلطة.

2. تردد الحوثيين في الالتزامات الطويلة

التجارب السابقة تشير إلى حذر حوثي دائم من توقيع اتفاق نهائي يحد من قدرتهم العسكرية أو يلزمهم بترتيبات سياسية لا يتحكمون فيها بالكامل.

3. ضرورة وجود غطاء دولي

أي اتفاق يمني يحتاج دعمًا طويل المدى من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والسعودية، إضافة إلى قبول إقليمي يتضمن دورًا لسلطنة عُمان.

4. توحيد الموقف اليمني

أحد أبرز التحديات أمام الرياض هو قدرتها على جمع وحشد القوى اليمنية داخل مظلة سياسية موحدة، تضمن عدم تفكك أي اتفاق مستقبلي.

خلاصة ورؤية مستقبلية

تأتي زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن في لحظة مفصلية، لا لإعادة ترميم شراكة قديمة فحسب، بل لإعادة تشكيلها بما يتناسب مع واقع إقليمي متغير.

أما الملف اليمني، فيبدو أقرب من أي وقت مضى إلى فتح نافذة حقيقية للسلام، إن توفرت الإرادة السياسية والتزمت الأطراف جميعها بخارطة الحل المطروحة.

ومع أن الطريق ما يزال طويلًا ومعقدًا، إلا أن المؤشرات الحالية — من تهدئة البحر الأحمر إلى المباحثات المباشرة — تكشف عن فرصة نادرة لإنهاء أطول حرب شهدتها المنطقة في العقد الأخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى