“مبرمج في الظل: حين تتحول البرمجة من مهنة إلى وسيلة لتفـ. ـريغ الطاقة”
تقرير/ الدستور الاخبارية/ بسمة نصر

في العادة، عندما نجري لقاء مع فني أو مطور مواقع، نتوقع أن نسمع عن الشغف، التخصص، أو الرحلة الأكاديمية التي قادته إلى هذا المجال.
لكن، في هذه المقابلة تحديدا، اصطدمنا بشخص لا يرى البرمجة كهدف، بل كـ”منفذ” مؤقت، أو على حد قوله: “تفريغ طاقة لا أكثر”.
ضيفنا الذي رفض الكشف عن “اسمه الحقيقي” يعمل في مجال تطوير المواقع الإلكترونية، لكنه لا يعرف نفسه كمبرمج محترف أو حتى كصاحب مهنة تقنية أساسية.
بل يعتبر ما يقوم به مجرد مرحلة مؤقتة، تمثل له مساحة نفسية وهندسية للتنفس والتفريغ، بينما يسير مجاله الحقيقي في خطٍ موازي.
*البرمجة: وسيلة لا غاية*
يقول: “أنا ما دخلت عالم البرمجة بشغف طفولي أو بحلم تقني.. دخلته لأن عندي طاقة لازم أفـ. ـرغها، وعقلي ما يرتاح إلا لما يركب الكود صح”.
هذه الإجابة تفتح بابا مهما لفهم أن التقنية، مهما بدت علمية، فهي أيضا إنسانية.
مثله مثل (لينوس تورفالدز)، مبتكر نواة لينكس، الذي قال مرة إن تطوير النظام لم يكن هدفا في البداية، بل مجرد تمرين عقلي لتمضية الوقت وتحقيق بعض التنظيم الشخصي.
*الأدوات التي يثق بها*
في يومه العملي، يعتمد ضيفنا على أدوات مثل FTP، PHP، JavaScript، وأحيانًا Python، ويصر على أن استخدام “الذكاء الاصطناعي” ليس من أولوياته.
بل يفضل الأساسيات التي تبقيه “قريبا من العصب التقني” كما قال.
يشبه في هذا كثيرا نهج المبرمج المصري الشهير (عمرو عبد اللطيف)، الذي يعتمد في تطوير مواقع الأخبار والبوابات الصحفية على السكربتات اليدوية بدل الأنظمة الجاهزة، لتقليل الأخطاء وضمان السيطرة على الأكواد.
*الطوارئ ليست مفاجأة*
حين سألناه عن طريقة تعامله مع الأعطال الطارئة، أجاب ببساطة تقنية وعملية: “لو كنت أملك لوحة السيرفر والدومين، أقدر أتصرف فورا.. الباقي مجرد تفاصيل”.
وهو ما يشير إلى فلسفة “السيطرة المباشرة” التي يتبناها أيضا مطورو البنية التحتية الرقمية في شركات كبرى مثل Cloudflare، حيث يتم تدريب الفرق التقنية على سيناريوهات توقف مفاجئة.
*العمل على المواقع الرسمية: سهل ومُتعب*
المفارقة أن الضيف يرى أن المواقع الحـ. ـكومية أسهل من حيث الانتشار والموثوقية، لأن الأخبار فيها تنقل بشكل تلقائي من وكالات رسمية.
لكنها في ذات الوقت ترهقه من ناحية المتطلبات الرسمية والتنسيق بين أطراف متعددة.
“أتعب في المواقع الرسمية، لكنها سهلة من ناحية تصنيف جـ. ـوجل وترتيبها في النتائج”.
*تفريغ طاقة أم مشروع مؤجل؟*
رغم أن ضيفنا لا يعترف بأن لديه “مسيرة فنية”، إلا أنه يعترف أن فكرة تطويره لفلتر مـ. ـراقبة مستوحى من مواقع الدردشة، كانت خطة قائمة قبل دخوله الفعلي لعالم المواقع الصحفية.
يقول: “كانت عندي خطة برمجية تشمل المواقع وتطبيقات الهواتف.. لكن تشتتت بسبب الحـ. ـرب والتطوير والهدنة”.
هذا التشتت رغم قسوته لم يوقفه، بل ربما منحه طبقات إضافية من العمق. وهو شبيه بتجربة المبرمج السوري (حسام الزعبي)، الذي بدأ مشروعه خلال الحـ. ـرب كوسيلة لمـ. ـراقبة الأخبار الكـ. ـاذبة، ثم طوره لاحقا ليصبح منصة متخصصة في التحقق الرقمي.
*علاقة شخصية وعملية*
في حديثه عن تعامله مع فريق التحرير والمستخدمين، يقول إنه مرتاح جدا، واصفا علاقته بمديره السابق بأنها أقرب إلى علاقة أب وابنه: “كنت أمر بمرحلة ضـ. ـغط ومشـ. ـاكل، لكنه كان موجود، وكان إنسان أكثر من كونه مدير”.
*أخطاء المستخدمين*
وعن أكثر الأخطاء شيوعا من قبل المستخدمين، يقول: “تحرير العناوين بعد النشر، أو إضافة وسوم خاطئة، تؤثر على ترتيب الموقع”.
وهي ملاحظات عملية يعرفها كل من عمل في المجال الإعلامي الرقمي.
*الختام: رقم صعب في العالم الافتراضي*
ورغم تواضعه ورفضه لوصف نفسه كمبرمج متكامل، إلا أن جوابه الأخير يحمل الكثير من الثقة النادرة:
“جعلت مني الظروف رقما صعبا في العالم الافتراضي… بأقل كلفة”.
ويختم بقوله: “الكلفة الحقيقية تكتب في السماء، وما نفعله هنا مجرد إلهاء عن القدرة الفولاذية بداخلنا”.
( في زمن يقاس فيه النجاح بعدد المشاريع أو الشهادات، هناك من يكتب قصته بلغة مختلفة…
بلغة “القدرة على الاستمرار”، لا “السعي للتميز”، وهذا في حد ذاته تميز خفي.