منـ ـظومـ ـة القيم في مواجهة خـ ـوارزمـ ـيات الربح .. تيك توك تحت مجـ ـهر الدولة المصرية
تكنولوجيا واختراعات/وكالات/الدستور الاخبارية

تتـ ـصـ ـاعد وتـ ـيرة المواجهة بين السـ ـلطـ ـات المصرية ومنصة “تيك توك” بعد سلسلة تـ ـوقيـ ـفات طـ ـالـ ـت عدداً من صناع المحتوى، وسط اتـ ـهـ ـامـ ـات تتراوح بين التـ ـحـ ـريـ ـض على الفـ ـسـ ـق ونشر أخبار كاذبة، وصولاً إلى حـ ـيازة مـ ـواد مـ ـخـ ـدرة وأسـ ـلـ ـحـ ـة.
هذه التـ ـطـ ـورات تأتي بالتزامن مع دعوات متـ ـصـ ـاعـ ـدة لإغلاق المنصة نهائياً داخل البلاد، في ظل تـ ـحـ ـركـ ـات قـ ـانـ ـونـ ـية متفرقة يـ ـقـ ـودها مـ ـحامـ ـون مستقلون، لكن متـ ـضامنـ ـين في مطلبهم الأساسي، وهو “وقـ ـف العـ ـبث بعقول الشـ ـباب”، بحسب ما وصفته المحامية نهى الجندي، التي تقدّمت وحـ ـدها بأكثر من عشرة بـ ـلاغـ ـات ضـ ـد تيك توكرز، مستندة إلى ما اعتبرته “مـ ـحتـ ـوى خـ ـادش يـ ـخـ ـرق قـ ـيم المجتمع ويـ ـهـ ـدد السلام الأسـ ـري”.
تحقيق المشاهدات فوق قيم الأسرة
وأوضحت نهى الجندي في تصريحاتها أن بعض الفيديوهات يتم تصويرها بنية واضحة لاسـ ـتـ ـفـ ـزاز الرأي العام، وتحقيق المشاهدات بأي وسيلة.
وأضافت المحامية المشاركة في “هيئة الـ ـدفـ ـاع لحـ ـجب تيك توك” أن مجلس النواب أتاح فرصة لتقنين أوضاع المنصة داخل مصر، مشيرة إلى أن “إلغاء البثوث المباشرة على التطبيق الصيني، بات مطلباً مُلحاً لحـ ـمـ ـاية القـ ـيم المجتمعية”.
ورغم كثافة البـ ـلاغـ ـات، أكدت الجندي أن “كل محامٍ تحرك من تلقاء نفسه”، لكنّهم اتفقوا مبدئياً على توحيد المطلب المحوري، بإغلاق التطبيق نهائياً، مشيرة إلى أن الغـ ـمـ ـوض لا يزال يحيط بالمعايير التي تستند إليها المنـ ـصة في تقييم المحـ ـتوى، معتبرة أن هناك “انتـ ـقائـ ـية تُـ ـسيء إلى مفاهيم حـ ـريـ ـة التعبير”.
وتساءلت الجندي: “أين الخط الفاصل بين الحـ ـريـ ـة والتـ ـنظـ ـيم؟”، مؤكدة على ضـ ـرورة مـ ـحـ ـاسـ ـبة صـ ـناع المحتوى الذين يسـ ـتغـ ـلون الشهرة للربح غير المشروع، بينما تتحرى الأجـ ـهـ ـزة المختصة حالياً عن مصادر تمويل بعض التيك توكرز المـ ـشـ ـبوهـ ـة.
الطب النفسي يفسر.. المال أولاً والمراهقون ضـ ـحـ ـايـ ـا
من جانبه، يرى استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز أن الظـ ـاهـ ـرة باتت متجذرة في نفسية بعض صناع المحتوى، مؤكداً أنه “كلما زاد قـ ـبح المحتوى، ارتفعت نسبة المشاهدات”.
وأضاف في تصريحاته أن هؤلاء الأفراد يفتقرون إلى أي شعور بالمسؤولية تجاه المجتمع أو المراهقين الذين يتأثرون سلباً بما يُنشر، معتبراً أن “المال أصبح البوصلة الوحيدة لهم، حتى لو تطلب الأمر خـ ـلع الحـ ـياء أمام الكاميرا”.
وأكد استشاري الطب النفسي أنه عاين في عيادته حالات عديدة لمراهقين قرروا ترك دراستهم تحت إغـ ـراء الكـ ـسب السريع، بعد أن تـ ـسـ ـرب إليهم شعور بالإحـ ـبـ ـاط من جدوى العمل والجهد، في ظل ما يشاهدونه من محتوى يحقق ملايين المتابعين والعوائد بلا مشقة تُذكر.
وشدد على أن بعض التيك توكرز يُظهرون سمات مشتركة، من أعراض سيكوباتية أو يعانون من اضطرابات الشخصية الحدية، كما أنهم لا يُدركون عـ ـواقـ ـب أفـ ـعالهـ ـم ويتمتعون بلا مـ ـبـ ـالاة لافتة.
ولفت إلى أن “الردع القـ ـانـ ـونـ ـي لا يكفي وحده، فالمشكلة بحاجة إلى تدخل نفسي وتأهيلي شامل”، مؤكداً على خـ ـطـ ـورة تآكل القيم وانـ ـهـ ـيار التعليم تحت تأثير هذا النوع من المحتوى.
الأزمـ ـة عـ ـالمـ ـية بأبعاد تقنية ومعلوماتية
أما الدكتور محمد عزام، خبير أمـ ـن وتكنولوجيا المعلومات، فقد ألقى الضوء على الأبعاد الرقمية للأزمة، مشيراً إلى أن تيك توك لا يتحرك وفق معايير محلية، بل يلتزم بإطاره العالمي المرتكز على التفاعل والربح.
وأوضح في تصريحات خاصة أن خـ ـوارزمـ ـيات الـ ـذكـ ـاء الاصـ ـطنـ ـاعـ ـي تعزز المحتوى “الغريب” على حساب المحتوى المفيد، نظراً لما يجذبه من مشاهدات، ما يخلق بيئة غير متوازنة تشجع على الانـ ـحـ ـراف الرقمي، دون ضـ ـابـ ـط واضح.
عزام يرى أن “المشكلة ليست محلية، بل عـ ـالـ ـمية، تمس 5 مليارات مستخدم للإنترنت حول العالم”، مؤكداً أن غياب ضـ ـوابـ ـط واضحة يُسهل من اخـ ـتـ ـراق المجـ ـتمـ ـعات من خلال المحتوى المنفلت.
وأشار إلى أن “أي حساب يتم غـ ـلقـ ـه يمكن إعادة فتحه في اليوم التالي، ما يعكس واقعاً معلوماتياً خـ ـطـ ـراً أشـ ـبه بـ ـوبـ ـاء لا دواء له إلا بالوعي الجماعي والتثقيف الرقمي”.
ولم يُخفِ خبير أمـ ـن المعلومات قلقه من توظيف المنصات الرقمية في حـ ـروب غير تقليدية، موضحاً أن جمع البيانات على نطاق واسع قد يؤدي إلى تشكيل بصمة دقيقة عن كل فرد.
وأضاف أن “الولايات المتحدة حـ ـظـ ـرت تيك توك على الهواتف الحـ ـكـ ـومـ ـية لأسباب تتعلق بالأمـ ـن القـ ـومـ ـي”، ما يعكس حجم التـ ـهـ ـديـ ـد الذي يمكن أن تُشكله تلك التطبيقات خارج السـ ـيطـ ـرة المحلية.
وأكد عزام أن “المنع وحده لن يُجدي”، مشدداً على أن المسؤولية مشتركة بين الـ ـدولـ ـة والمجتمع والأسرة، خصوصاً في المراحل العمرية الحسـ ـاسـ ـة من 7 إلى 17 سنة، معتبراً أن المشكلة تتطلب حلولاً جذرية، وأن الوقت حان لإعادة تعريف العلاقة بين المنصات العملاقة والـ ـدول، حـ ـمايـ ـةً للمجتمعات من خـ ـطـ ـر تآكل الوعي وتفكك الهوية الثقافية.