التجنيد الحريدي: شرخ إسرائيلي يتسع!(تفاصيل كاملة)

عالمية/الدستور الإخبارية/خاص:

تعصف بإسرائيل حاليا أزمة ائتلافية على خلفية قانون تجنيد الحريديين أو إعفائهم من التجنيد وتهدد بإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو والتوجه لانتخابات مبكرة. لكن، هل هذه أزمة حقيقية أم أنها أحد التناقضات التي تعايش معها المجتمع الإسرائيلي منذ سنوات طويلة.

إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية تاريخي. بدأ هذا الإعفاء عندما بعث رئيس الوكالة اليهودية، دافيد بن غوريون، “رسالة الستاتيكو” (الوضع القائم) إلى حزب “أغودات يسرائيل” الحريدي، في حزيران/يونيو العام 1947، وتعهد فيها باستقلالية جهاز التعليم الحريدي، وخلال حرب العام 1948، وافق بن غوريون على الاستجابة لطلب “أغودات يسرائيل” بإعفاء طلاب الييشيفوت (معاهد تدريس التوراة الحريدية)، وتجسدت هذه الموافقة من خلال قانون الخدمة الأمنية، الذي تم سنّه في العام 1949.

في العام 1958، صرح بن غوريون بأنه على إثر تزايد عدد طلاب الييشيفوت، ينبغي إعادة النظر بإعفائهم من الخدمة العسكرية. وتم في حينه الاتفاق على تسوية مسألة إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية من خلال محادثات أجراها مدير عام مكتب رئيس الحكومة في حينه، شمعون بيرس، مع رؤساء الييشيفوت.

ووُصف هذا الإعفاء بـ”تأجيل” الخدمة، واشترط بمواصل الدراسة الفعلية في الييشيفا. وشملت التسوية ثلاث محطات لتجنيد الحريديين: في حال توقف الشاب الحريدي عن الدراسة في سن 25 عاما، يُجند لخدمة عسكرية عادية؛ والذين يتوقفون عن الدراسة في سن 25 – 29، يجندون للخدمة العسكرية الإلزامية لمدة ثلاثة أشهر، وبعد ذلك يصبحون في قوات الاحتياط؛ والذين يتوقفون عن الدراسة في سن فوق 29 عاما، يصبحون جنودا في قوات الاحتياط.

هذا يعني أن الحريديين كانوا معفيين في معظم الحالات من الخدمة العسكرية الإلزامية، خلافا لباقي فئات المجتمع الإسرائيلي الذين كانوا وما زالوا ملزمين بالخدمة الإلزامية والخدمة في قوات الاحتياط. وفي نهاية التسعينيات، أصبح يوصف طلاب الييشيفوت المعفيين من الخدمة بأن “توراتهم حرفتهم”، إذ أن الحاخامات الحريديين يعتبرون أن أهمية دراسة التوراة في الييشيفوت موازية لأهمية الخدمة العسكرية لغير الحريديين.

الحريديون يطالبون الآن بالحفاظ على مبادئ الإعفاء هذه، بينما قانون التجنيد الجديد الذي تعمل لجنة الخارجية والأمن في الكنيست على صياغته يتجاوز التفاهمات التاريخية مع الحريديين. ويطالب المجتمع الإسرائيلي بغالبيته وأحزابه بالمساواة في التجنيد، أو في “تحمل العبء”، وأن تكون الخدمة العسكرية للحريديين مشابهة لباقي فئات المجتمع الإسرائيلي، إذ يعتبرون هذه الخدمة أنها “قيمة” بحد ذاتها.

إلى جانب ذلك، تصدر تقارير بشكل دائم حول المجتمع الحريدي، ويتم التشديد فيها على أنه مجتمع مكون من عائلات كثيرة الأولاد، والرجال فيه لا يعملون لكنهم يتلقون مخصصات من الدولة بمبالغ صغيرة، وجهاز التعليم الحريدي لا يدرس مواضيع مثل التاريخ واللغات والرياضيات، وأنه نتيجة لذلك الحريديون فقراء ويؤثرون سلبا على الاقتصاد الإسرائيلي.

أزمة ائتلافية

الأسبوع الماضي، طالب حزب “أغودات يسرائيل”، الذي يشكل مع حزب “ديغل هتوراة” كتلة “يهدوت هتوراة” الحريدية الأشكنازية في الكنيست والحكومة، من نتنياهو بوضع حل لقانون التجنيد فور انتهاء عيد نزول التوراة (“شفوعوت”)، الذي صادف يوم الإثنين الماضي. وأول من أمس، قالت مصادر في “يهدوت هتوراة” إن حاخاماتهم أوعزوا لأعضائهم في الكنيست بالانسحاب من الحكومة. وبحسب مصادر أخرى، أوعز الحاخامات بحل الكنيست، وذلك في أعقاب عدم التوصل إلى تفاهمات خلال اجتماع، في الليلة السابقة، بين رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي إدلشتاين، مع مندوبي الحريديين.

وتشير التقديرات إلى أنه في حال قدمت “يهدوت هتوراة” مشروع قانون لحل الكنيست، فإن حزب شاس للحريديين الشرقيين سيؤيده. لكن في هذه الأثناء ترددت تقارير تفيد بأن رئيس شاس، أرييه درعي، يريد التوجه إلى انتخابات مبكرة في موعد يتم الاتفاق حوله مع نتنياهو. رغم ذلك، صدرت صحيفة “ييتِد نئمان” التابعة لحزب “أغودات يسرائيل” بعنوان رئيسي يقول إن “إسرائيل تقترب من الانتخابات”.

ليس واضحا في هذه الأثناء ماذا أوعز الحاخامات لأعضائهم في الكنيست. فتأييد حل الكنيست يعني سقوط الحكومة والتوجه لانتخابات جديدة، بينما الانسحاب من الائتلاف يعني منح نتنياهو مهلة من أجل حل أزمة قانون التجنيد والتوصل إلى صيغة متفق عليها بين أحزاب الائتلاف.

وسيسعى نتنياهو إلى منع سقوط حكومته، ويتوقع أن تكون الخطوة الأولى الإطاحة بإدلشتاين من رئاسة لجنة الخارجية والأمن، إذ قالت مصادر حريدية إنه كان متشددا خلال الاجتماع الليلي مع مندوبي الحريديين، وأنه طرح أمورا لم يطرحها من قبل، بينها وقف تمويل الحكومة للحضانات الحريدية، إلى جانب إصراره على أن يشمل قانون التجنيد عقوبات شخصية على الحريديين الذين سيرفضون التجنيد، وكذلك على الييشيفوت التي لن يتجند طلابها بوقف تمويلها.

ويرجح أن يطالب نتنياهو وزيري المالية، بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي، إيتمار بن غفير، بمساعدته في إعادة استقرار الحكومة، من خلال عدم انتقاد إعفاء الحريديين من التجنيد وعدم المطالبة بسن قانون تجنيد يعتبره الحريديون بأنه صارم ولن يكون بالإمكان أن يوافقوا عليه. فقد أعلن هذان الوزيران عن مواقف متشددة حول تجنيد الحريديين لأن جمهورهما، أي اليمين العقائدي الاستيطاني والصهيوني الديني، يتجند للجيش بنسبة مرتفعة وقُتل عدد كبير نسبيا منهم في الحرب على غزة.

كذلك يتوقع أن يسعى نتنياهو إلى توافق بين أحزاب الائتلاف حول إزالة أو تخفيف بنود العقوبات، الشخصية والمؤسساتية، في قانون التجنيد. وهذا أمر محتمل، لأن نتنياهو وافق على قرارات عديدة تخدم مصالح سموتريتش وبن غفير وحزبيهما، وفي مقدمتها توسيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.

 

 المعارضة والمحكمة العليا

ليس بإمكان المعارضة فعل أي شيء سوى تقديم مشروع قانون لحل الكنيست، لكن المصادقة عليه مشروطة بتأييد الحريديين له. لذا، سيتعين على ائتلاف نتنياهو صياغة قانون التجنيد بحذر، لأنه حتى لو أيدته جميع أحزاب الائتلاف وتم سنّه في الكنيست، فإنه ستُقدم على الأرجح التماسات ضد القانون إلى المحكمة العليا.

ويتوقع أن تقرر المحكمة إلغاء القانون أو أن تعيده إلى الكنيست لإجراء تعديلات عليه تفرغ مسألة الإعفاء من الخدمة من مضمونها. فقد أصدرت المحكمة العليا في الماضي قرارات طالبت الحكومة بسن قانون تجنيد الحريديين مرفقة بجدول زمني، لكن الحكومة لم تنفذ هذه القرارات.

وفي 27 نيسان/أبريل الماضي، أصدرت المحكمة العليا أمرًا احترازيًا يلزم الحكومة بتقديم رد حتى 24 حزيران/ يونيو الجاري، توضح فيه سبب عدم إصدار أوامر تجنيد للحريديين بـ”الحجم الذي يلبي احتياجات الجيش”. وطالبت المحكمة بتوضيح سبب “عدم إنفاذ أوامر التجنيد الصادرة، بما يشمل اتخاذ عقوبات شخصية وفعالة”.

إلا أن أداء الحكومة الحالية في المجال القانوني/القضائي، يتمثل بالسعي إلى الالتفاف على قرارات المحكمة العليا، وعلى صلاحياتها أيضا. وليس مستبعدا أن يسن الائتلاف قانونا يلغي صلاحية المحكمة برقابة قضائية على قانون التجنيد.

قصة أزمة معلنة

كان من الواضح منذ فترة طويلة أن الأزمة الائتلافية حول تجنيد الحريديين ستصل إلى درجة تهدد بسقوط حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات جديدة. والسؤال هو متى سيحدث ذلك؟ فالائتلاف ليس مستقرا وثمة اختلافات بين مصالح أحزاب الائتلاف.

من الناحية السياسية – الحزبية، تظهر الاستطلاعات أن قوة “يهدوت هتوراة” ثابتة تقريبا، وستحصل على 7 أعضاء كنيست في أي موعد تجري فيه الانتخابات. كذلك قوة حزبي بن غفير وسموتريتش. ورغم أن حزب سموتريتش لم يتجاوز نسبة الحسم في قسم من الاستطلاعات، إلا أن التوقعات هي أن يخوضا الانتخابات بقائمة مشتركة، وبعد الانتخابات ينفصلان، مثلما فعلا في الانتخابات الأخيرة.

وتؤكد الاستطلاعات تراجعا، يتوقع أن يكون كبيرا، في قوة حزب الليكود في الانتخابات المقبلة، من 32 مقعدا في الكنيست حاليا إلى 20 – 24 مقعدا. وتتراوح قوة حزب شاس بين 9 – 10 مقاعد. وبناء على ذلك لن يصل عدد مقاعد الائتلاف الحالي إلى 61 مقعدا في انتخابات مقبلة ولن يشكل الحكومة المقبلة.

في هذه الأثناء، كشفت محادثة هاتفية مسربة بين نتنياهو والحاخام موشيه هيلل هيرش، أحد أبرز حاخامات “ديغل هتوراة”، عن أن نتنياهو تعهد بحل أزمة قانون التجنيد رأس السنة العبرية، الذي يصادف في أواخر أيلول/سبتمبر المقبل، وليس بحلول عيد نزول التوراة. ويبدو أن تسريب هذه المحادثة متعمد، وقد لا يعني حل الأزمة في ذلك الموعد وإنما قد يشير إلى موعد حل الكنيست والتوجه لانتخابات.

حل أزمة قانون التجنيد ليس مؤكدا، وربما ليس متوقعا أيضا. لكن إرجاء الأزمة والقرار بخصوص تبكير الانتخابات قد يخدم مصالح أحزاب الائتلاف. فقد حصلت الأحزاب الحريدية خلال ولاية الحكومة الحالية على ميزانيات هائلة في مجالات التعليم والإسكان.

وحزب شاس، الذي يتولى حقيبة الأديان، يريد تعيين مرشحيه في مناصب حاخامات المدن في غضون شهور قليلة، ودرعي لا يريد أن يظهر كمن يسقط حكومة اليمين، لأن نسبة كبيرة من ناخبي شاس يؤيدون نتنياهو شخصيا، ويتخوف من أنه في حال إسقاط الحكومة أن يدعم هؤلاء الناخبون نتنياهو في الانتخابات المقبلة. والأهم من ذلك أن حكومة أخرى لن تسن قانونا يعفي الحريديين، وربما لن تتشكل بمشاركتهم.

كما أن مصالح سموتريتش وبن غفير في توسيع الاستيطان هو حلم قد لا يتحقق مجددا في حكومة أخرى، لأنهما لن يكونا شريكان فيها.

من جهة أخرى، ليس مؤكدا أن تنجح الأحزاب الصهيونية في المعارضة من الفوز في الانتخابات والحصول مجتمعة على 61 عضو كنيست أو أكثر. وفيما يتردد في الاستطلاعات سيناريو خوض رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينيت، الانتخابات على رأس حزب جديد، فإنه في حال جرت الانتخابات قريبا فإنه ربما لن يتمكن من تنظيم حزبه لها، خاصة وأنها ستكون انتخابات شرسة بسبب اتساع الشرخ في المجتمع الإسرائيلي خلال ولاية نتنياهو، بسبب الانقلاب على جهاز القضاء وبسبب رفض نتنياهو إنهاء الحرب على غزة واستعادة الأسرى الإسرائيليين.

لكن في ظل التطورات الحالية والحديث عن ضغوط يمارسها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على نتنياهو من أجل وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى، فإنه إذا نجحت هذه الضغوط، سيرغب نتنياهو باستغلال الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وسيدعي بأنه بذل جهودا كبيرة من أجل تحقيق ذلك. وإذا تأكد أن حكومته ساقطة لا محالة، فإنه سيتخلى عن سموتريتش وبن غفير ولن يستجب لمطالبهم، وسيفتعل أزمات ائتلافية تؤدي إلى انتخابات في أواخر العام الحالي أو مطلع العام المقبل، مع علمه أن الأفكار التي يحملها بينيت أقرب إليه من قربها من أفكار قادة أحزاب المعارضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى