مائة ألف دولار تؤجّل مواجهة وشيكة بين بن بريك والعليمي

مقال الرأي/كتبه صالح أبو عوذل/الدستور الاخبارية

 

تخيّل أن تبدأ رحلة شاقة مع رفيق يدعوك لمغامرة خطيرة. تسير معه بضع خطوات، فيلتفت فجأة ليقول: “من الآن فصاعدًا، الخبز والماء لي وحدي”.

تتحمل، تمضي معه، ثم يختفي عن ناظريك، ويعود ليهمس: “اصبر، فالفرج قريب”، قبل أن يعدك بصحن “كبسة” ولا يعود.

هكذا تمامًا تُدار البلاد في ظل “اللا دولة”، حيث تتحوّل ملفات الكهرباء والصحة والتعليم إلى تفاصيل هامشية، فيما تُخاض المعارك الحقيقية في دهاليز المخصصات المالية وصراعات الناشطين داخل خيمة الشرعية المهترئة.

في الشهور الماضية، اتخذ رئيس الحكومة السابق، أحمد عوض بن مبارك، قرارًا بوقف امتيازات بعض الناشطين المقيمين في الخارج، والذين كانوا يتقاضون مخصصات شهرية تحت بند “داعمون للحكومة الشرعية”. القرار طال أيضًا مسؤولين في الخارج، أُوقفت معهم مزايا السفر والإقامة ودرجة رجال الأعمال.

غضب المتضررون، وتحرّكوا فيما يشبه “انتفاضة ناعمة”، دفعت بالسعودية إلى تغيير رئيس الحكومة. لكن التغيير كان شكليًا، إذ جاء البديل من داخل نفس الفريق الحكومي.

الرئيس الجديد وصل عدن متسلّحًا بـ”خطة مئة يوم”، لكنه صُدم برفض رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، الذي قال له بلهجة حاسمة: “انسَ الخطط.. نريد أحمد المعبقي وزيرًا للمالية ومحافظًا للبنك المركزي في آنٍ معًا”.

المفاجأة الكبرى كانت في موقف بن بريك، وزير المالية ورئيس الحكومة، الذي قال إنه قبل المنصب بشرط الاحتفاظ بالمالية، وفقًا لاتفاق مسبق مع السعوديين.
رد العليمي باستخفاف: “تواصل مع السفير السعودي.. سيوضح لك التفاصيل”.

رفض بن بريك، وشعر بالإهانة. ولم تمضِ ساعات حتى وصلته رسالة تحذيرية: “العليمي يمتلك خلية إلكترونية جاهزة لشنّ هجوم إعلامي عليك”.

وكان الحل بسيطًا: 100 ألف دولار فقط، هذا ما قيل لبن بريك، كافية لإسكات الناشطين وتحييدهم لصالحه.

ليست مفاجأة، فهذه ميزانية ثابتة تُصرف منذ 2018 لتأمين الولاءات و”شراء الذمم”.

بن بريك وافق على استئناف الصرف، لا إيمانًا بحرية الرأي، بل لتحصين موقعه ومنع الناشطين من الانضمام إلى خصومه.

أما الناشطون؟ بعضهم يتقاضى من الجانبين، فالولاء لمن يدفع أكثر، والأسئلة عن الماء والدواء والرواتب لا تجد من يطرحها أصلًا.

هكذا تحوّلت “خطة المئة يوم” إلى بند وحيد: استئناف مخصصات الناشطين، وكأن الدولة تحوّلت إلى بورصة تبادل ولاءات، لا أكثر.

في بلد تُخاض فيه المعارك على امتيازات الناشطين بدلًا من الخدمات الأساسية، لن نصل إلى أي مكان، فالماء والخبز دومًا في يد “سعادة السفير”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى