زيارة الرئيس الزُبيدي إلى موسكو.. حضور سياسي يعزز مسارات الانفتاح الجنوبي نحو الشرق

الدستور الاخبارية/ منير النقيب

في خطوة لافتة ضمن الحراك الدبلوماسي المتصاعد للمجلس الانتقالي الجنوبي، وصل الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى العاصمة الروسية موسكو، في زيارة رسمية تحمل أبعادًا سياسية وإستراتيجية تتجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد.
فمنذ لحظة وصوله، ولقائه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بدا واضحًا أن الزيارة تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشهد المنطقة تحولات متسارعة في موازين القوى ومقاربات الحل للأزمة اليمنية، وسط تراجع الدور الغربي وتنامي الحضور الروسي والإقليمي في ملفات الشرق الأوسط.

*أولًا: دلالات التوقيت ومغزى الزيارة

تأتي زيارة الزُبيدي إلى موسكو في وقت تتجه فيه الأنظار إلى الجنوب باعتباره مركز الثقل الجديد في معادلة الصراع اليمني. فالجنوب اليوم يمثل بوابة الأمن البحري في خليج عدن وباب المندب، وهو ما يمنحه أهمية إستراتيجية متزايدة لدى القوى الكبرى، وفي مقدمتها روسيا التي تسعى لاستعادة حضورها الفاعل في المنطقة عبر مقاربة متوازنة مع مختلف الأطراف.

ويقرأ سياسيون أن الزيارة تمثل اعترافًا روسيًا متزايدًا بالمجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة على الأرض، خصوصًا في ظل وضوح مواقف المجلس من قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب وحماية خطوط الملاحة الدولية.

 

*ثانيًا: عمق العلاقات الروسية الجنوبية

اللقاء بين الزُبيدي ولافروف لم يكن مجرد مناسبة دبلوماسية، بل إحياء لمسار طويل من العلاقات التاريخية التي ربطت الجنوب سابقًا بالاتحاد السوفييتي، حين كانت عدن محطة محورية في السياسة السوفييتية بالمنطقة.

وقد أعاد الجانبان خلال اللقاء التأكيد على أهمية تطوير هذه العلاقات بما يخدم المصالح المشتركة، مع بحث آفاق التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية والإنسانية.

كما رحب الزُبيدي بتوجه روسيا لإعادة فتح سفارتها في العاصمة عدن، في خطوة تُعد مؤشرًا على ثقة موسكو المتزايدة في استقرار الجنوب وواقعية المجلس الانتقالي كطرف رئيسي في أي تسوية سياسية قادمة.

*ثالثًا: خطاب الرئيس الزُبيدي

خلال اللقاء، شدد الرئيس الزُبيدي على أولوية حماية الجنوب واعتبارها أساس أي عملية سلام حقيقية، مؤكدًا أن المجلس الانتقالي يدعم جهود خفض التصعيد والانخراط في مسار سياسي واقعي، شريطة أن يُبنى على الاعتراف بقضية الجنوب وحق شعبه في تقرير مصيره.

هذه الرسالة حملت بوضوح تأكيدًا على الثوابت السياسية للانتقالي، وفي الوقت نفسه فتحت الباب أمام تفاهمات إقليمية ودولية مع شركاء فاعلين كروسيا، بعيدًا عن الاصطفافات الضيقة.

*رابعًا: موسكو وسيط متوازن وطرف مؤثر

بدوره، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حرص بلاده على دعم جهود إحلال السلام وتعزيز الاستقرار في اليمن والمنطقة، مشيرًا إلى عمق العلاقات التاريخية مع الجنوب وإلى رغبة موسكو في لعب دور أكثر فاعلية في تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية.

ويُفهم من تصريحات لافروف أن روسيا ترى في المجلس الانتقالي الجنوبي شريكًا جادًا يمكن التعويل عليه في إعادة صياغة المشهد السياسي، خصوصًا في ظل انقسام القوى اليمنية وتراجع تأثير المبادرات الغربية التي فشلت في إنتاج حلول واقعية للأزمة.

*خامسًا: تحول في المشهد الدبلوماسي الجنوبي

يحمل وفد الزُبيدي إلى موسكو تركيبة تعكس الطابع المؤسسي والسياسي المتكامل للانتقالي، بوجود شخصيات بارزة مثل محمد الغيثي، واللواء هيثم قاسم طاهر، ومؤمن السقاف، والدكتور صالح الحاج، ما يدل على أن الزيارة ليست حدثًا رمزيًا بل خطوة ضمن استراتيجية دبلوماسية متكاملة تهدف إلى تعزيز حضور الجنوب في دوائر القرار الدولية.
كما أن الانفتاح على روسيا يأتي في إطار سياسة خارجية متوازنة يتبناها المجلس، ترتكز على تنويع الشراكات الدولية وعدم الارتهان لمحور بعينه، مع الحفاظ على علاقات متينة مع التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.

*الجنوب في قلب مرحلة جديدة

يمكن القول إن زيارة الرئيس الزُبيدي إلى موسكو تمثل تحولًا نوعيًا في مسار العمل السياسي الجنوبي، إذ فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الحضور الدولي للمجلس الانتقالي، كفاعل وطني يمتلك رؤية واضحة لمستقبل الجنوب والمنطقة.

وفي ظل التغيرات المتسارعة في موازين القوى، تبدو الاستراتيجية الروسية الجنوبية في طور التبلور، بما قد يجعل من عدن وموسكو محورين متلازمين في صياغة ترتيبات الأمن والاستقرار في البحر العربي وخليج عدن، وهي رسالة سياسية عميقة بأن الجنوب بات حاضرًا على طاولة الكبار.

زياره_الرئيس_الزبيدي_لروسيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى