“زيـديني عشـقاً”.. بين الشعر والفلسفة وتجربة العـشق الوجـودي
فــن/ الدستور الاخبارية/ بسمة نصر

تعد أغنــية “زيــديني عشـقاً”، التي كتب كلماتها الشاعر (نزار قباني) وأداها الفنان {كاظم الساهر}، نموذجاً فريداً لتداخل الشعر بالفلسفة من خلال وسيط فني هو الغناء.
فالنص الشعري، بما يحمله من كـثافة وجـدانية وفـكرية، يتجاوز كونه خطابـاً عاطفياً إلى كونه رؤيـة وجـودية للعـشق، فيما يقدم الأداء الغنائـي والموسيقـي تجـسيداً حسـياً لهذه الرؤيـة.
ففي قصيـدة “زيـديني عشـقاً”، يتجلى العشق كقوة لا تعرف الاكتفاء.
العاشق عند (نزار قباني) يـطلب المزيد بلا حـدود، في إشارة إلى أن الحــب ليس حالة عاطفيـة عابـرة، بل عطــش سرمـدي يكشف هشــاشة الإنسان أمام احتياجاتـه الوجوديـة.
فالعشـق هنـا يتجاوز الثنائيـة التقليديـة (المحب/المحبوب) ليصبح تجربة شموليتة تلامـس معنى الحـياة نفسـه.
غير انه أضـفى {كاظم الساهر} على النص بعداً آخـر من خلال أدائـه الصوتـي واللحنـي.
فالغناء هنا ليس مجـرد وسيط لنقل الكلمات، بل أداة فلسفيـة تجسـد التوتــر الوجودي بين الرغبــة في الامتلاء والخـ. ـوف من الفـ. ـناء.
كل طبقة صوتية في أداء {الساهر} تظهر أن العاشـق يعيش حالة من التـ. ـناقض: طلب المزيد، مع وعـي ضمنـي بأن هذا المزيد قد يلـتهـ. ـمه.
و يتيح النص قراءة موازية ضمن سياق الفكر الفلسفي:
عند “أفلاطون”، الحب ارتقـاء نحو الجمال المطلق، ما يفسر طلب العاشق المزيد كرحلـة لا تنتهي صوب الكـمال.
عند “ابن عربي”، الحب طريـق إلى المطلق الإلهـي، وهو ما يجعل من “زيـديني عشـقاً” نصاً يمكن أن يقرأ صوفيـاً، باعتباره تعبيراً عن الذوبـان في المحـبوب.
تستمد الأغنية خلودهـا من قدرتهـا على الجمع بين الوجدانتي الخاص والإنسانـي العام.
فهي من جهة اعتراف شخصي بالـحب، ومن جهـة أخرى مرآة تعكس المعضـلة الأزليـة للإنسـان: الحاجة الدائمـة إلى المزيد من المعنـى والعاطفتة.
إن “زيـديني عشقاً” ليست نصاً غنائياً تقليديتاً، بل تجربتة وجوديتة متكاملـة تتقاطع فيها الشعريتة النزاريـة مع الفلسفتة الأفلاطونيـة والصوفيـة، ويترجمها أداء موسيقي يحاكي عطـش الإنسان الأبـدي للحـب.
ومن هنا، فإن هذه الأغنية تعد وثيقـة جماليـة وفكريـة تؤكـد أن العشق ليس ترفتاً عاطفياً، بل هو قدر إنسانـي وشرط وجـودي.